فضيلة الشيخ محمد العريفي حفظه الله يسأل فرنسي نصراني سؤالين

هذا حوار علمي دار بيني وبين أحد طلبة العلم ، أنقله لكم بنصه ، راغباً التعقيب بما يثري هذا الحوار :

قال السائل :

قوله تعالى: "لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"
هل محادَّة الله ورسوله في هذه الآية الكريمة شيء زائد على مجرد الكفر كالمحاربة مثلا ؟
أو هي الكفر نفسه؟
وكيف يمكن الجمع بين الآيات الناهية عن موادة الكفار، وبين قوله تعالى في شأن الأزواج: "وجعل بينكم مودة ورحمة" في حال زواج المسلم من كتابية؟
وهل قوله تعالى: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" فيه إثبات مشروعية نوع موادة بين المسلم والكافر النصرانيّ؟
سامحونا على التطويل، ولا بأس أن تتوسعوا في الإجابة إذا شئتم.. سددكم الله للصواب ، ونفعنا بكم، ووفقنا وإياكم لكل خير .


فأجبت :

بسم الله الرحمن الرحيم

(وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب )

أولاً - معنى المحادة لله ولرسوله :


بعد قراءة وتأمل ما ذكره بعض العلماء من المفسرين واللغويين وغيرهم في معنى المحادة ظهر لي أنهم على قسمين :

القسم الأول : يرى أن المحادة تكون بمجرد المخالفة بأن يكون في حدٍّ والطرف الآخر في حدٍّ آخر ، والحد هو الطرف . وعلى هذا فكل الكفار داخلون فيمن حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

القسم الثاني : يرى أن المحادة أمر زائد على مجرد الكفر ، فالمحادون لله ولرسوله هم الكفار المحاربون لله ولرسوله ، الصادون عن سبيله ، المجاهرون بالعداوة والبغضاء . بخلاف المسالمين لنا من أهل الذمة وغيرهم . وقد صرح القاسمي في تفسيره محاسن التأويل بهذا في تفسيره لآية المجادلة التي سألت عنها .

والذي يظهر لي - والله أعلم - بعد التأمل والسؤال أن المحادة تشمل الأمرين ، وأنها درجات مختلفة ؛ فالكافر محاد لله ورسوله بكفره ، ومن حارب المسلمين وأظهر عداوتهم وصد عن سبيل الله فهو موغل في المحادة .وبين هذا وذاك مراتب متعددة كما هو الواقع .
وعليه فإن موادتهم جميعاً لا تجوز بحال من الأحوال ، لأن الموادة هي المحبة ، والمحبة لا تكون للكفار بحال من الأحوال ، لأن الله أخبر في آية المجادلة بأنه لا يمكن أن يوجد من يؤمن بالله واليوم الآخر ويواد من حاد الله ورسوله ؛ لأن المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يحمله إيمانه على موادة هؤلاء .

ثانياً - إذا تقرر ما سبق فما القول في آية الروم ، وهي قوله تعالى في شأن الزوجين : ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) إذا كانت الزوجة كتابية كافرة ؟

الجواب من وجوه :
الأول : أن هذا من حيث الأصل في الزواج ، وهو أن يكون بين المسلمين .

الثاني : إذا كانت الزوجة كافرة فالأصل عدم مودتها لكفرها ؛ ولكن لو حصل ميل طبيعي إليها وفيه نوع مودة لها من أجل إحسانها إليه ولما بينهما من العشرة والأولاد فهذا يدخل في الحب الطبيعي والمودة الطبيعية التي لا يلام عليها الإنسان ، ومع ذلك فيجب عليه أن يبغضها لما فيها من الكفر .

ثالثاً- وأما سؤالك أخي عن قول الله تعاى عن النصارى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى...) فالجواب عنها واضح والحمد لله فلو قرأت أخي تكملة الآية والآيتين اللتين بعدها لتبين لك أن المراد بالنصارى هنا : من آمن منهم كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم .
وأما النصارى الكفار فقد قال الله في شأنهم : ( يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ...) الآية

رابعاً - إتماماً لما ذكرته سابقاً ؛ أقول : روى الإمام النسائي في تفسيره لقوله تعالى : (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ...) المائدة 83 بسنده عن عبدالله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه . وقرأ الآية .[قال محققا الكتاب : إسناده صحيح .
والأثر أخرجه ابن جرير أيضاً في تفسيره .
فهذا الأثر يدل على ما ذكرته سابقاً أن المقصود بالنصارى الذين هم أقرب مودة للمؤمنين من آمن منهم .

ثم وجدت كلاماً صريحاً للجصاص في أحكام القرآن حول هذه المسألة يؤيد ما ذكرت ، قال ما نصه :

(قَوْله تَعَالَى { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى } الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ : " نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا أَسْلَمُوا " . وَقَالَ قَتَادَةُ : " قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ مُتَمَسِّكِينَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنُوا بِهِ " . وَمِنْ الْجُهَّالِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَدْحًا لِلنَّصَارَى وَإِخْبَارًا بِأَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ صِفَةُ قَوْمٍ قَدْ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَبِالرَّسُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ مِنْ إخْبَارِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَبِالرَّسُولِ . وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ ذِي فِطْنَةٍ صَحِيحَةٍ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي مَقَالَتَيْ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّ مَقَالَةَ النَّصَارَى أَقْبَحُ وَأَشَدُّ اسْتِحَالَةً وَأَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ مَقَالَةِ الْيَهُودِ ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ تُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُشَبِّهَةٌ تُنْقِصُ مَا أَعْطَتْهُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ التَّوْحِيدِ بِالتَّشْبِيهِ . انتهى

وكلامه هنا واضح - مع أن هناك من المفسرين من تعقبه في ذلك - والآثار التي أشار إلها في أول كلامه تؤيده ، مع ما تدل عليه أيضاً الآيات الأخرى ، إضافة إلى دلالة الواقع وأحداث التأريخ التي أثبتت شدة عداوة النصارى الكافرين للمسلمين ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .

وممن قال بأنها نزلت في المؤمنين منهم كذلك الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله حيث قال بعد تفسيره لها : ( وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم .) انتهى من تفسير السعدي .

والله أعلم وأحكم ، وهو الموفق للصواب .

فقال السائل :

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم على جواباتكم المفيدة ونسأل الله أن يتقبل منكم ويزيدكم علما وتوفيقا آمين. وبعد:
فاسمح لي بمناقشة ما استشكلتـُهٌ في جوابكم وفقكم الله:
فإني ما زلت أستشكل تفسير قوله تعالى (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) بالذين آمنوا منهم دون عموم النصارى أو جنس النصارى، رغم ما تفضلتم به من التتميم وما تضمنه من النقل.. وذلك لوجوه:
منها:
أن هذا يجعل معنى الآية كالآتي: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ، ولتجدن أقرب الناس مودة للذين آمنوا المؤمنين ممن كانوا نصارى ثم أسلموا وآمنوا بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم..!
وواضح أن هذا يقلل فائدة الآية جدا ، بل هو معنى ركيك لا يليق بكلام الباري عز وجل.. إذ كيف يقال إن المؤمنين أقرب مودة للذين آمنوا من اليهود والذين أشركوا؟! وحينئذ ما مزية كونهم كانوا من النصارى أو من غيرهم مادموا قد أسلموا؟ والله أعلم وأعز وأحكم سبحانه وتعالى.
ومنها:
قوله تعالى في الآية: "الذين قالوا إنا نصارى"
ومنها:
أن الآية مسوقة للمقارنة بين صلف وشدة عداوة اليهود والمشركين وكبرهم وعنادهم وجفائهم ، وبين رقة النصارى ولينهم وقربهم (بالنسبة لأولئك) من الهداية.
وكل الذين يشرحون الآية ويفسرونها ويستدلون بها من أهل العلم يوردونها هذا المورد.
ومنها:
أن الله تعالى قال: (( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا الذين اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)) ثم علل ذلك أي كون هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى أقرب إلينا مودة بقوله: ((ذلك بأن...الخ))

والحق أن الآثار المروية في تفسير الآية عن ابن عباس وابن الزبير وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم كما ذكرت بعضها -حفظك الله- فيها نوع إشكال على الكلام الذي سبق، ولعله يزول بحمل كلامهم على ما بعد التعليل، أي على قوله(منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ...)الخ خاصة إذا علمنا أن الآية مدنية بل من أواخر القرآن ، وقصة النجاشي وقعت قبل الهجرة كما أشار ابن كثير إلى هذا الوجه، وقد تقرر أن الصحابي قد يقول إن الآية نزلت في كذا يريد أنها تشمل هذا المعنى أو هذا الصنف مما يذكره من الأفراد فيدخلون في عموم لفظها.. ولهذا اختار ابن جرير –بعد سرد الروايات عنهم- أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة.

وبالتأمل في أقوال بعض المفسرين يظهر المعنى الذين ذكرناه:
قال ابن كثير: "واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة سواء كانوا من الحبشة أو غيرها . فقوله تعالى " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا " وما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسموه وسحروه وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة".
قال: "وقوله تعالى " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة كما قال تعالى " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية " وفي كتابهم : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر وليس القتال مشروعا في ملتهم ولهذا قال تعالى " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون " أي يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم" اهـ المقصود منه.

وفي الجلالين: "(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك) أي قرب مودتهم للمؤمنين (بأن) بسبب أن (منهم قسيسين) علماء (ورهبانا) عبادا (وأنهم لا يستكبرون) عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة"
ثم قال: "نزلت في وفد النجاشي القادمين عليه من الحبشة قرأ صلى الله عليه وسلم سورة يس فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى"اهـ

وأما الشيخ عبد الرحمن السعدي فقال في تفسيره: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا صارى) وذكر تعالى لذلك عدة أسباب : منها أن (منهم قسيسين ورهبانا) أي علماء متزهدين، وعبادا في الصوامع متعبدين، والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين. ومنها: (أنهم لا يستكبرون) أي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الحق من المستكبر.اهـ
ثم ذكر تمام الآيات ثم قال: "وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وغيره، ممن آمن منهم ، وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام" اهـ
فكلامهم في معنى الآية واضح مع قولهم بعد تقرير المعنى الذي أشرنا إليه إن هذه الآيات نزلت في النجاشي الخ ، ولذلك فقد يتعين حمله على المحمل الذي ذكرناه. والله أعلم.
وأما كلام الجصاص رحمه الله فلا يظهر رجحانه ويرده كلام أكثر المفسرين.
وأما أن الواقع وأحداث التأريخ أثبتت شدة عداوة النصارى الكافرين للمسلمين في القديم كالحملات الصليبية والحديث كالاستكبار الانجليزي والفرنسي والإيطالي وغيره والمعاصر كالطغيان الأمريكي، فهذا كله لا ينافي المعنى المذكور، فهما معنيان غير متناقضين.. فتأمل.
بقي إشكال آخر على ما ذكرنا من جهة تركيبب الأية الكريمة: حاصله أنه تعالى قال: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} فالضمير المجرور في "منهم" راجع إلى النصارى بلا إشكال، ثم قال: {وأنهم لا يستكبرون} فهذا الضمير إما راجع إلى القسيسين وما عطف عليهم ، أو هو راجع إلى النصارى (الذين قالوا إنا نصارى) ..
وأما الضمير في قوله: {وإذا سمعوا} وما بعده من الضمائر في قوله "أعينهم" و "عرفوا" و"يقولون" فلا بد أن ترجع إلى الذين أسلموا منهم.. فكيف ولم يسبق لهم ذكر؟؟!
وفي ذهني الآن ما يمكن أن يكون جوابا، وهو أن الضمير في قوله: {وإذا سمعوا} راجع إلى النصارى أو إلى القسيسين باعتبار البعض، فالمعنى : وإذا سمع بعضهم ما أنزل إلى الرسول ترى ...الخ
فقوله "سمعوا" صادق بالبعض وهم الذين أسلموا وكتب الله لهم الهداية إلى الإسلام والإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ولها نظائر في القرآن فيما أظن (لا تحضرني الآن)
يؤيده أن جملة "وإذا سمعوا" الخ كما يحتمل أن تكون معطوفة على خبر "أَنَّ" يحتمل أيضا أن تكون مستأنفة مبتدأة، فعلى هذا الوجه جعلها مبتدأ أولى ، والله تعالى أعلم.

نسأل الله أن يفتح علينا وعليكم وأن يعلمنا ما جهلنا ويفقهنا في دينه وكتابه..
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا يا رب العالمين.
أخي الشيخ أبو مجاهد/ ما أردت إلا المناقشة والمذاكرة معكم لعلي أستفيد علما نافعا ، وأنتم والله أعرف بما ذكرنا وغيره.. ويعلم الله كم أنا مستفيد من مقالاتكم وحلقاتكم في منتدانا بارك الله فيكم وفي أهل هذا المنتدى الطيب.
والسلام عليكم


فرددت على مذاكرة الأخ السائل بما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

جزى الله الأخ السائل الكريم خيراً على هذا الإيضاح والتفصيل وأشكره على حسن مناقشته وأدبه في الرد .
وقد راجعت تفسير الآية في أكثر التفاسير التي تيسر لي الإطلاع عليها وبعد قراءة ما ذكروه وبعد التأمل فيما أورده أخي السائل خلصت إلى هذه النتيجة وهي :
المراد بالذين قالوا إنا نصارى في قوله تعالى : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى ) النصارى الذين لا زالوا على نصرانيتهم ولما يؤمنوا بعد .

قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير : (والمراد بالنصارى هنا الباقون على دين النصرانية لا محالة ، لقوله : (أقربهم مودة للذين ءامنوا) . فأما من آمن من النصارى فقد صار من المسلمين .) انتهى

قال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد في تفسيره تهذيب التفسير وتجريد التأويل مما ألحق به من الأباطيل وردئ الأقاويل ك ( وليس هذا مدحاً للذين قالوا إنا نصارى من حيث كونهم نصارى وهم يقولون : إن الله هو المسيح البن مريم ، وما داموا يقولون : إن الله ثالث ثلاثة ؛ والمعلوم أن المدح في الجملة لا يقتضي كون كل واحد من أفراد هذه الجملة ممدوحاً ، بل إنما ينصرف المدح لمن يستحقه منهم )

وإخبار الله عن الذين قالوا إنا نصارى بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا ليس دليلاً على أنهم يوادون المؤمنين ؛ وإنما هو إخبار بأنهم أفضل وأقرب من اليهود والذين أشركوا في المودة للمؤمنين .

فهذا من باب قول القائل : فلان أصدق الكاذبين !

ثم علل كونهم أقرب مودة للذين ءامنوا بأن منهم قسيسن ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ...إلى آخر ما ورد في صفاتهم .

فدل هذا على أن الموصوفين بالصفات التي جاءت في الثلاث الآيات التي بعد هذه تحولوا إلى الإسلام وءامنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
وهذا من أسباب تفضيل النصارى على اليهود ؛ فالذين يدخلون في الإسلام من النصارى أكثر من الداخلين فيه من اليهود .

ولذلك قال ابن كثير في آخر تفسيره لهذه الآيات : (" وَهَذَا الصِّنْف مِنْ النَّصَارَى هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى " وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ... " الْآيَة [آل عمران : 199]
وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْله مُسْلِمِينَ" إِلَى قَوْله " لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " .[القصص : 52-55])انتهى
فالأوصاف الأخيرة من قوله : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ...) إلى آخر الآيات لمن آمن منهم .
وعليه تحمل أقوال السلف المذكورة في الجواب السابق . والله أعلم .

فهل من مناقش لما دار في هذا الحوار ؟ وهل من مبين للصواب في هذه المسألة ؟
أرجو من مشايخنا الكرام في هذا الملتقى ، ومن الإخوة طلبة العلم المشاركة والتفاعل مع المسألة التي دار النقاش حولها .
(منقول )
قلت نقلته للأهميه لأن المتشدقين في هذه الايه وفهمها الخاطىء اليوم كثر بسبب الوطنيه والقوميه المزعومه والتفريق المزعوم بين نصارى
العرب ونصارى الغرب وكل هذا من التضليل ومن أسبابه الواقع المرير بعد سقوط الخلافه وغياب دولة الاسلام
المصدر: http://www.albwady.com/vb/showthread.php?t=11472

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق