شرح حديث إلا أن ترو كفرا بواحا

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
روى البخاري ومسلم ‏عن ‏ ‏جنادة بن أبي أمية ‏ ‏قال دخلنا على ‏عبادة بن الصامت ‏ ‏وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏
فقال (( دعانا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبايعناه ‏ ‏فكان فيما أخذ علينا أن ‏ ‏بايعنا ‏ ‏على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا ‏ ‏وأثرة ‏ ‏علينا
وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا ‏‏ بواحا ‏ ‏عندكم من الله فيه ‏ ‏برهان ‏ ))
يقول الامام النووي في شرحه لصحيح مسلم
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) ‏
‏هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ ( بواحا ) بالواو , وفي بعضها ( براحا ) والباء مفتوحة فيهما ,
ومعناهما : كفرا ظاهرا , والمراد بالكفر هنا المعاصي , ومعنى عندكم من الله فيه برهان : أي : تعلمونه من دين الله تعالى . ‏
‏ومعنى الحديث : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم , ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام ,
فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم , وقولوا بالحق حيث ما كنتم , وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين , وإن كانوا فسقة ظالمين . ‏
‏وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته , وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق , وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل , وحكي عن المعتزلة أيضا , فغلط من قائله , مخالف للإجماع .
‏قال العلماء : وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن , وإراقة الدماء , وفساد ذات البين , فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه . ‏
‏قال القاضي عياض : أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر , وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل ,
قال : وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها ,
قال : وكذلك عند جمهورهم البدعة ,
قال : وقال بعض البصريين : تنعقد له , وتستدام له لأنه متأول ,
قال القاضي : فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية , وسقطت طاعته , ووجب على المسلمين القيام عليه , وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ,
فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ,
ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ,
فإن تحققوا العجز لم يجب القيام ,
وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها , ويفر بدينه ,
قال : ولا تنعقد لفاسق ابتداء , فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم : يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب ,
وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق , ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك , بل يجب وعظه وتخويفه ; للأحاديث الواردة في ذلك قال القاضي : وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع ,
وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية ,
وبقيام جماعة عظمية من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث ,
وتأول هذا القائل قوله : ألا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل ,
وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق , بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر ,
قال القاضي : وقيل : إن هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم .
والله أعلم انتهى - صحيح مسلم بشرح النووي
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني
‏قوله ( إلا أن تروا كفرا بواحا ) ‏
‏بموحدة ومهملة " قال الخطابي : معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره "
وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال : إنما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة , وقال الخطابي : من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى , وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء , وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر , وقال النووي : هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء . قلت : ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا , بصاد مهملة مضمومة ثم راء ,
ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة " إلا أن يكون معصية لله بواحا "
وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة " ما لم يأمروك بإثم بواحا "
وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة " سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون , فلا طاعة لمن عصى الله "
وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة " . ‏
‏قوله ( عندكم من الله فيه برهان ) ‏
‏أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل , ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل ,
قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية ,
ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام ; فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى .
وقال غيره : المراد بالإثم هنا المعصية والكفر , فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر ,
والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر , وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية ,
فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف , ومحل ذلك إذا كان قادرا والله أعلم .
ونقل ابن التين عن الداودي قال : الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب , وإلا فالواجب الصبر .
وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء , فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه
والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه . انتهى - فتح الباري بشرح صحيح البخاري
يقول الشيخ عبد المنعم حليمة في كتابه فصلُ الكلامِ في مسألةِ الخروجِ على الحكامِ
الحاكم المسلم الفاسق الظالم الشديد الفسق والظلم والفجور.
وهو يختلف عن الحاكم المسلم الفاسق أنه شديد الفسق والظلم والفجور، و
هو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :" إن شرَّ الرعاء الحُطمَة " مسلم.
أي شديد الظلم والبطش بالرعية ..!
إلا أن فسقه وظلمه وفجوره وبطشه لا يبلغ به درجة الكفر الذي يخرجه من الملة .. فهذا ـ على الراجح ـ يختلف حكمه عن الحاكم الفاسق السابق الذكر، ذي الفسق المجرد.
فأقول: في مثل هذه الحالة عندما تبتلى الأمة بحاكم هذا هو حاله ووصفه .. فإنه يتعين خلعه من قبل الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد،
فإن أبى الانخلاع إلا بالقتال نُظر في ذلك فإن كان القتال والخروج عليه أقل ضرراً وفساداً مما يصدر عنه من ظلم وفجور وفساد تعين الخروج عليه ولا بد، وإن كان غير ذلك ـ أو كان العكس ـ أمسك عن الخروج عليه
عملاً بالأحاديث العامة الآنفة الذكر التي تأمر بالكف عن الخروج على أئمة الجور والفسق.
فإن قيل: قد عرفنا النصوص التي تمنع من الخروج على أئمة الجور .. فما هو الدليل الذي يرخص الخروج عليهم في حال تلبسوا بالظلم المغلظ كما تقدم ..؟
أقول: هذا سؤال هام جوابه ألخصه في النقاط التالية:
1- من الأدلة التي تلزم بالخروج على هذا النوع من الحكام عموم الأدلة والنصوص التي تلزم بتغيير المنكر .. وبأطر الظالمين إلى الحق .. أيَّاً كانوا هؤلاء الظالمين.
قال أبو بكرٍ الصديق بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم ) ،
وإنا سمعنا النبيَّ عليه الصلاة والسلام يقول:" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " .
وإني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:" ما من قومٍ يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يُغيروا، ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب " صحيح سنن أبي داود:3644.
2- العمل بالقواعد الفقهية التي تفيد: بأنه لا ضرر ولا ضرار .. وأن الضرر يُزال .. وإزالة الضرر الأكبر بالضرر الأصغر .. وتقديم أقل المفسدتين لدفع أكبرهما مفسدة وضرراً ..
فهذه القواعد وغيرها المستنبطة من نصوص الشريعة كلها تلزم الأمة بخيار الخروج على هذا النوع من الحكام وفق الضابط والشرط المذكور.
3- منع أهل العلم من الخروج على أئمة الفسق والفجور هو من قبيل دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى .. وتقديم أقل الضررين.
ومسألتنا هذه تختلف تماماً عما قالوه أهل العلم في ذوي الفسق أو الجور المجرد؛ حيث أن الضرر الأصغر والمفسدة الصغرى هنا تكمن في الخروج عليه قياساً للمفاسد الكبرى المترتبة من جراء بقائه على سدة الحكم والرئاسة.
لذا نجد في مثل هذه الحالة أن كثيراً من أهل العلم يصرحون بوجوب الخروج على الحاكم المقدور عليه.
قال ابن حجر في الفتح 13/11: نقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر. وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداءً، فإن أحدث جوراً بعد أن كان عدلاً فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه ا- هـ.
وقد تقدم كلام ابن تيمية وهو قوله:" وإن كان الواحد المقدور قد يُقتل لبعض أنواع الفسق؛ كالزنا .."؛ فاشترط القدرة .. ومن القدرة على إزالة المنكر أن لا تؤدي إزالته إلى منكرٍ أشد وأكبر منه.
وهذا الفقه مستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم" ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب "
فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام للتغيير القدرة .. وعلق العقاب والعذاب على التخلي عن تغيير المنكر مع وجود القدرة على ذلك ..!
قال الإمام الجويني في أصول الاعتقاد: إذا جار الوالي وظهر ظلمه وغشمه، ولم يرعو عما زجر عن سوء صنيعه فلأهل الحل والعقد التواطؤ على درئه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب ا- هـ.
قلت: وهذا محمول على أن يكون الخروج وشهر السلاح عليه أقل فتنة وفساداً مما يظهره من فساد وفجور .. وتقدير ذلك لأهل الحل والعقد من علماء ومجاهدي الأمة.
قال الشيخ محمد رشيد رضا في كتاب " الخلافة ": قد تقدم التحقيق في المسألة ونصوص المحققين فيها؛ وملخصه أن أهل الحل والعقد يجب عليهم مقاومة الظلم والجور والإنكار على أهله بالفعل وإزالة سلطانهم الجائر ولو بالقتال إذا ثبت عندهم أن المصلحة في ذلك هي الراجحة والمفسدة هي المرجوحة ا- هـ.
فإن قيل: قد تقدم في كلامكم عن الحاكم المسلم العدل .. وما يجب على الأمة نحوه من توقير وإكرام وغير ذلك .. فهل هذا يُحمل على أئمة الفسق والجور ؟!
أقول: ما قيل هناك عن الحاكم المسلم العدل لا يقال في أئمة الجور، والبطش، والفسق؛
فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:" شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم " قالوا: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال:"لا، ما أقاموا فيكم الصلاة .." مسلم.
فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام عن الخروج عليهم ومنابذتهم بالسيف .. ولم ينههم عن لعنهم وبغضهم .. بل عد لعن المؤمنين لهم علامة على أنهم من شرار الأئمة والولاة!
وقد نقل أبو يعلى في " الأحكام السلطانية "ص20، عن الإمام أحمد رحمه الله قوله في المأمون: وأي بلاء كان أكبر من الذي كان أحدث عدو الله وعدو الإسلام من إماتة للسنة ..؟!
وكان إذا ذكر المأمون يقول: كان لا مأمون ..ا- هـ.
وكذلك ثبت عن كثير من السلف شتمهم للحجاج ووصفهم له بالطاغية .. وهذا كله يدل على أنه لا يجوز إنزال سلاطين الجور والفسوق منزلة الولاة الصالحين العدول .. وما يجب لهم من التوقير والاحترام، والإكرام .. والله تعالى أعلم.
فإن قيل: علام لم تقل في الحاكم الفاسق ما قلته في الحاكم الشديد الفسق والفجور والظلم .. من حيث وجوب الخروج عليه بالقوة إذا أُمنت الفتنة الأكبر .. وكان الخروج عليه هو الأقل ضرراً .. ؟!
أقول: الذي منعنا من القول بذلك .. أن افتراض حصول ذلك هو أمر نظري وخيالي وغير واقعي .. حيث لا يمكن أن نتصور خروجاً على الحاكم المسلم الفاسق من ذوي الفسق المجرد المحتمل بالقوة .. ثم يكون هذا الخروج ـ وما يترتب عليه من نتائج ـ أقل فتنة وضرر مما يُظهره من فسق مجرد محتمل ..!
قال الجويني في " غياث الأمم "ص102: لو كان الفسق المتفق عليه يوجب انخلاع الإمام أو يُخلعه لكان الكلام يتطرق إلى جميع أفعاله وأقواله على تفنن أطواره وأحواله، ولما خلا زمن عن خوض خائضين في فسقه المقتضي خلعه، ولَتحزب الناس أبداً في مطرد الأوقات على افتراق وشتات في النفي والإثبات، ولما استتبت صفوةُ الطاعة للإمام في ساعة.
إلى أن قال: وقد قررنا أن في الذهاب إلى خلعه أو انخلاعه بكل عثرة رفضَ الإمامة ونقضَها، واستئصال فائدتها ورفع عائدتها، وإسقاط الثقة بها، واستحثاث الناس على سلِّ الأيدي
عن ربقة الطاعة ا- هـ.
ـ تنبيه هام: للأهمية نعيد التذكير بما كنا قد ذكرناه من قبل، فأقول: إن النصوص ذات العلاقة بالولاة وما يجب لهم، وما يجب عليهم .. وكيف يُعامل كل صنف منهم .. هي كثيرة جداً، وهي أكثر من أن تحصر في هذا المبحث الوجيز.
وإن الفقه والإنصاف يقتديان من الباحث طالب الحق أن يُنزل كل نص في موضعه ومنزله الذي أراده الشارع .. ويفسره على مراد الله ورسوله .. فلا يحمل ما قيل في الحاكم المسلم العدل على الحاكم الكافر .. ولا يحمل ما قيل في الحاكم الفاسق على ما يمكن أن يقال في الحاكم الفاسق الشديد الفسق والفجور والظلم ..!
كما أن الذين يريدون أن يتصدوا للبحث أو الإفتاء في هذه المسألة الهامة الشائكة .. لا بد لهم من أن يحيطوا بمجموع النصوص ذات العلاقة بالمسألة ـ وبأقوال أهل العلم فيها ـ ويعملوها جنباً إلى جنب .. بعضها مع بعض .. من دون أن يضربوا النصوص بعضها مع بعض، أو يُعارضوا بعضها مع بعض .. أو يُظهروا ـ بسبب قصورهم وفهمهم الخاطئ ـ اضطراب النصوص وتناقضها .. كما هو ملاحظ عند كثير من الشيوخ والباحثين المعاصرين الذين تصدوا للحديث والإفتاء في هذه المسألة الهامة ..!
وأكثر الذين أخطأوا ووقعوا في الإفراط أو التفريط في هذه المسألة .. هو بسبب إعمالهم لنصوص دون نصوص .. وأخذهم بنصوص دون نصوص .. وعلمهم بنصوص دون نصوص .. فوقعوا فيما هم فيه من الغلو والإفراط .. أو الجفاء والتفريط .. ولا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى
وقد حرج السلف على ائمة الجور والظلم والبدعة ومنها
خروج سيد شباب أهل الجنة إمام الهدى الحسين بن علي، رضوان الله وسلامه عليه، على يزيد بن معاوية، ومبايعة أهل الكوفة له (سنة 61 هـ). وقد أرسل الحسين، رضوان الله وسلامه عليه، ابن عمه مسلماً بن عقيل، رضي الله عنه، لأخذ البيعة له فبايعه ثمانية عشر ألفاً ولم يقل أحد في التاريخ أن الحسين، رضوان الله وسلامه عليه، وأهل الكوفة كانوا يومئذ فرقة من الفرق الضالة، (البداية والنهاية: 8/217).
خروج عبد الله بن حنظلة، رضي الله عنه، على يزيد بن معاوية نفسه، ومبايعة أهل المدينة له (سنة 63 هـ) ثم كانت واقعة الحرة، لم يقل أحد، يعتد به، أنه هو ومن بايعة من أهل المدينة كانوا فرقة من الفرق الضالة.
خروج عبد الله بن الزبير بعد موت يزيد بن معاوية وطلبه البيعة لنفسه، وقد بايعه جميع الأمصار إلاّ الأردن، وسمى، بحق، بأمير المؤمنين ثم انتهى الأمر بمقتله سنة 73 هـ، على أيدي بني أمية
خروج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج، ثم على الخليفة عبد الملك بن مروان. وكان مع ابن الأشعث خيار علماء الأمة: سعيد بن جبير لذي قتل فيها، والإمام المفسر الكبير مجاهد، والإمام الشعبي، وغيرهم!
خروج الإمام زيد بن علي بن الحسين، رضي الله عنه، على خليفة الوقت المتجبر هشام بن عبد الملك، وقد بايعه على ذلك أربعون ألفاً من الكوفة.
خروج يزيد بن الوليد بن عبد الملك على ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك (126 هـ) ومبايعة الناس له، وقتله الوليد.
خروج محمد النفس الزكية، وهو محمد بن عبد الله بن الحسن، على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (سنة 145 هـ) ومبايعة كثير من الناس له،
ولقد روى ابن جرير أن الإمام مالك، إمام أهل السنة والحديث، أفتى بمبايعته، فقال له الناس إن في أعناقنا بيعة للمنصور فقال: إنّما كنتم مكرهين، وليس لمكره بيعة، فبايعه الناس عند ذلك لقول مالك.
خروج إبراهيم بن عبد الله بن حسن (وهو أخو محمد النفس الزكية) على الخليفة أبي جعفر المنصور بعد مقتل أخيه، ومبايعة الناس له، حتّى خرج من البصرة في مائة ألف مقاتل قاصداً الكوفة لقتال جيش الخليفة أبي جعفر المنصور.
خروج أحمد بن نصر الخزاعي على الخليفة لفسقه وبدعته (201 هـ)، وقد بايعه الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عموماً، حين كثر الشطار والدعار في غيبة المأمون عن بغداد، وكان أحمد بن نصر من أهل العمل والديانة، ومن أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وقال عنه الامام احمد : رجل جاد بنفسه في سبيل الله
يقول ابن كثير: [فلما كان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخزاعي في السر على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على السلطان لبدعته، ودعوته إلى القول بخلق القرآن، ولما هو عليه وحاشيته من المعاصي]، (البداية والنهاية).
إن الخروج المسلح على أئمة الجور كان مذهباً قديماً للسلف. قال الحافظ ابن حجر في ترجمته للحسن بن صالح تعليقاً على ما نسب إليه من أنه كان يرى السيف: [وهذا مذهب للسلف قديم لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى ما هو أشد منه]، (تهذيب التهذيب).
وبعد ذلك قال العديد من العلماء بعدم الخروج على ائمة الجور كما جاء في شرح مسلم وفتح الباري
ثم ان اقرار الحاكم على "الكفر البواح"، وهذه هي "الفتنة" بعينها، أي ظهور الكفر وسيادته، وهذا لا يجوز مطلقاً، مهما سُفِك من الدماء، وقُدِّم من الشهداء، لقوله تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله}، (الأنفال؛ 8: 39)،
وقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله}، (البقرة؛ 2: 193)
، وقوله: {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل}، (البقرة؛ 2: 191)،
وقوله تباركت أسماؤه تعقيباً ورداً على اعتراض قريش على القتل والقتال في الأشهر الحرم، أو عند المسجد الحرام: {… وإخراج أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل}، (البقرة؛ 2: 217)،
ولقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} (النساء؛ 4: 141)،
فيتضح معنا أن اذا اظهر الحاكم الكفر البواح او عطل شرعا من شرائع الله المعلومة من صلاة او زكاة او حكم بقوانين ما انزل الله بها من سلطان يكون واجب على الامة جميعا خلعه
فإن لم يكن هناك قدرة على عزله يكون الواجب هو الاعداد والتحضير لعزله
ويجوز حينها اغتياله هو ورؤوس الحكم معه
أما بالنسبة لائمة الجور والبدعة والفسق والتي تكون بدعتهم صريحة وجورهم على الامة ويكون هناك القدرة الكافية مع ترتب مصلحة او تحصل مفسدة اقل عند عزله من بقاءه ، فقد اختلف فيه والراجح جوازه
وهناك مفارفة ، حيث ان بعض العلماء يجيز قتال مانع الزكاة ولا يكفره الا اذا قاتل ،
وهذا يعني انه يجيز الخروج عليه وقتاله مع اعتباره مسلم فإن قاتل كفر !!
وقد قال بهذا القول الشيخ بن باز في شريط الدمعة البازية
ومعلوم ان الزكاة مثل الجهاد ، كليهما من الشرائع المعلوم وجوبها من الدين بالضرورة ، ومعلوم الان ان الحكام مانعين للجهاد
مع أنه لا يبنغي النقاش حاليا حول ائمة الجور ، فكل الحكام في زماننا قد اظهروا الكفر البواح من تحكيم القوانين او تحكيم الطواغيت او اعانة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين ، او تعطيل الشرائع ومحاربة الجهاد والمصلحين وغيرها من صنوف الكفر البواح

والله اعلم

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف1/31/2013 9:45 ص

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اشكرك اخي الكريم على هذا التوضيح

    ردحذف